الأربعاء، 7 ديسمبر 2011

ما هي طرق عــلاج القلق؟

 1- المدخل النفسي:
التحليل النفسي الذين يرون أن الخبرات السابقة خاصة في الطفولة لها الأثر الكبير في إحداث الاضطرابات النفسية وخاصة القلق، وهؤلاء يرون أن المدخل الرئيس لعلاج القلق والاضطرابات العصابية الأخرى يكمن في إخراجها من عالم اللاشعور إلى منطقة الوعي، أي الاستبصار مما يؤدي إلى حدوث انفراج تصحيحي للسلوك بكل ما ينطوي عليه من عواطف ونزعات .
                                                       (السباعي و عبد الرحيم ، 1999: 186)
ولذا يعتمد هذا الأسلوب على فتح المجال للمريض في الكلام وما يطلق عليه أسلوب التداعي الحر،إلا أن هذا الأسلوب نظراً لافتراضاته البعيدة عن الواقع ولطول مدة علاجه أدّى للانصراف عنه إلى مناهج أخرى في العلاج، مع الأخذ بالاعتبار أهمية التنشئة الاجتماعية في وقاية الفرد من القلق.
أما العلاج السلوكي فيرى أن القلق يحدث نتيجة للتعلم الخاطئ وذلك أنه نشأ من الاستجابة لأحد المثيرات الخارجية التي لا تثير الخوف في حد ذاتها، ولكن ارتباطها بمثيرات أخرى أحدثت الخوف في البداية. أدى إلى جعلها مصدراً للخوف فيما بعد.(الأحمد، 2002: 22)
فالعلاج السلوكي يهتم بإحداث التعديل في السلوك، ودراسة البيئة من حول الشخص، ويركز على حاضر الشخص، ويهتم المعالج في هذا الأسلوب على إزالة الأعراض الظاهرة التي تقلق الإنسان ، فالعلاج السلوكي لا ينظر إلى الاستجابات غير المتوافقة على أنها ناشئة عن شخصية مضطربة، ومن ثم فلن يكون هدف العلاج تسهيل عملية إعادة تنظيم أو إعادة بناء شخصية العميل، وإنما يكون هدف العلاج هو المساعدة على إزالة المشكلات النوعية التي تؤثر على أداء العمل، وهذا الاتجاه السلوكي ثريّ بالفنيات العلاجية المتنوعة كالتحصين المنظم، والاسترخاء، والتعزيز وغيرها.

وقد ظهرت في السنوات الأخيرة نظرية التعلم الاجتماعي ، (Social Learning )، وطور مفاهيمها بشكل جاد "باندورا  Bandura" (1977 (. حيث ترى هذه النظرية أن تأثير البيئة على اكتساب السلوك يتحدد من خلال العمليات المعرفية. ولذا يطلق على هذا العلاج (التعلم بالملاحظة ) وذلك بالتركيز على سلوكيات النموذج أو القدوة (Modeling) وهذا الأسلوب يؤدي إلى التخلص من النظرة السلوكية البحتة، وهي الاهتمام بالعوامل الخارجية البيئية لبناء الشخصية أو السلوك، بل لابد من الاهتمام بالعلاقات التبادلية فيما بين البيئتين الخارجية والداخلية.
كما شهدت السنوات الأخيرة إدخال العمليات المعرفية إلى حيز العلاج السلوكي وهو ما يعرف بالعلاج السلوكي المعرفي(Cognitive Behavior Therapy) حيث أظهرت أهمية العمليات المعرفية في نشوء انحرافات السلوك، واستمرارها وعلاجها، ومن المفاهيم الأساسية في هذه الطريقة الإدراكات الذاتية للفرد عن الأحداث وتفسير السلوك الشخصي، ويمكن أن توصف هذه الطريقة بأنها عملية  إعادة البناء المعرفي للفرد ( Cognitive Restructuring ). وقد خلص "ميكنبوم  Meichenbaum " (1977)، إلى أن العلاج يكمن في تعديل التعليمات الذاتية التي يحدّث بها المسترشدون أنفسهم، بحيث يمكنهم أن يتعاملوا مع مواقف المشكلات التي يواجهونها.  
                                 (الشناوي،(أ)1994: 127-128) (الأحمد،2002: 22-23)
    
 وتتضمن عملية العلاج عند "ميكنبوم" ثلاث مراحل أساسية:
المرحلة الأولى: أن يدرك المسترشد أو يصبح واعياً بسلوكياته غير الملائمة.
المرحلة الثانية: يؤخذ هذا الوعي كمؤثر يولد حديثاً داخلياً معيناً.
المرحلة الثالثة: يكون هناك تغيير في طبيعة الحديث الداخلي عن ذلك الذي كان حدثاً  لدى المسترشد قبل العلاج . (عبد العزيز ، 2001:  105)
وهناك أسلوب العلاج عن طريق الدفع المتعقل (Rational Emotive therapy) أو العلاج المنطقي الذي يدعو له العالم الأمريكي " أليس  Ellis "(1979م). وهذا العلاج ينطلق من أن القلق أصاب الشخص بسبب الأفكار غير المنطقية عن نفسه وعن الآخرين، فلعلاجه نستبدل هذه الأفكار غير العقلية أفكاراً منطقية عقليه، تتناسب مع الصحة النفسية. وهذا العلاج يقوم على توضيح العلاقة ( A B C ) وذلك أن النتائج ( C ) ليست وليدة الأحداث المنشطة التي تسبقها ( A ) وإنما هي نتيجة نظام التفكير ( B ) ثم الانتقال إلى تفنيد ( D ) الأفكار غير المنطقية. ويرى بعض الباحثين أن هذا الأسلوب العقلاني الانفعالي هو نوع من العلاج السلوكي المعرفي.

ويتم العلاج العقلاني الانفعالي بإتباع الخطوات الآتية:
-  تحقيق علاقة طبية مع العميل لكسب ثقته وجعله يتقبل العلاج.
-  شرح العميل لأعراضه المرضية واستجابته الشخصية لهذه الأعراض في الماضي والحاضر وعلاقتها بما يفعله الآن وما يشعر به حالياً ( هنا والآن ).
- إظهار عدم منطقية ما يقوله المريض لنفسه وتأكد المريض أن ذلك سبب اضطرابه.
- مهاجمة الأفكار غير المنطقية عن طريق التفكير العلمي المنطقي.
- استخدام فنيات تؤدي إلى أن يعارض المريض أفكاره الخاطئة غير العقلانية ليتحكم
عقلانياً في انفعاله ثم في سلوكه.
- التركيز على أساليب التعليم والتدريب والسلوك والمواجهة بشكل جديَّ.
                                                             (عبد العزيز،2001: 107-110 )          

وهناك العلاج الذي طرحه "جلاسر Glasser (1975م)"  الذي يفترض أن الاضطراب النفسي - كالقلق - ينتج بسبب عدم إشباع الحاجات النفسية كالحاجة للانتماء والحاجة للاحترام، والعلاج يرتكز على مواجهة الواقع نحو مزيد من النضج والضمير الحي والمسئولية . (الأحمد،2002: 24)
ويرى "جلاسر" في نظرته للعلاج بالواقع أن الناس عندما يعجزون عن إشباع إحدى الحاجاتين الأساسيتين، الحب " الاحترام"، والأهمية " الانتماء " أو كلتيهما فإنهم يعايشون الألم النفسي.
ويتخذ العلاج بالواقع عدداً من القواعد لعلاج العميل:-
- التأكيد على الاندماج مع العميل وإظهار الاهتمام به.
- مساعدة العميل على أن يصبح داعياً لما يقوم به من تصرفات في عالم الواقع.
- التركيز على الحاضر حيث يمكن فيه التغيير، بينما الماضي قد تم تثبيته فلا يمكن تغييره.
- أن ينصب الحكم على السلوك، وأن يكون عند العميل قدرة على الحكم على سلوكه الخاص ويحكم عليه حكماً تقويمياً .
- مساعدة العميل على بناء خطط محددة لتغيير سلوكه.
- مساعدة العميل على الالتزام بتنفيذ الخطة.
- عدم إتاحة فرصة لاعتذارات الفشل، والمحاولة في استبعاد أسباب العقاب.
وقد يلجأ المعالج أحياناً إلى إبعاد المريض عن مكمن الصراع النفسي أو الصدمة الانفعالية، بل وقد ينصح بتغيير الوضع الاجتماعي، إما العائلي أو في مكان العمل،عندما تحتم

المصلحة العلاجية للمريض ذلك، وهو ما يعرف بالعلاج البيئي أو الاجتماعي. (سلمان،2003: 40)
مما سبق ترى الباحثة أن القلق ينشأ نتيجة لانعدام المسئولية ونقص الاندماج مع الآخرين،  وعدم الوفاء بالحاجات الشخصية، ومن ثم يكون الهدف في الإرشاد باستخدام العلاج بالواقع مساعدة المسترشدين على تحمل المسئولية الشخصية؛ والمسئولية تعني القدرة على التصرف بطرق تحقق حاجات الفرد.
ولقد وجدت الباحثة أن هناك عدداً من الأساليب النفسية التي لا تختلف في نظرتها لسبب القلق وكيفية معالجته، وبالجملة فأغلبها تدور حول أثر الخبرات الماضية في تهيئة الفرد للقلق، وأهمية العلاقات التبادلية الاجتماعية في إبعاد القلق أو إيجاده، كذلك قوة الترابط بين الحديث الذاتي للفرد والسلوك الخارجي في تأثير كل منهما بالآخر، وأيضاً خطورة العمليات المعرفية والعقلية وضرورة منطقيتها وملاءمتها للعقل، وأخيراً أهمية مواجهة الواقع واعتماد نظام لتحقيق الذات على ضوء المسئولية الأخلاقية.

2) العلاج المعرفي:
لقد نالت العلاجات السلوكية المعرفية اهتماماً بحثياً كبيراً، وتم استخدامها في علاج اضطرابات الوجدان واضطرابات القلق وغالبية الأمراض النفسية (Michelson & Marchione )، ولقد خلص الباحثون، الذين قاموا بمراجعة وتحليل الأبحاث التي فحصت فعالية العلاج السلوكي المعرفي، إلى أن المرضى الذين تم علاجهم  بالعلاج السلوكي المعرفي كانوا أفضل حالاً من مرضى المجموعات الضابطة الذين لم يتعاطوا أي علاج، وأن العلاج السلوكي المعرفي كان مكافئاً للعلاجات الأخرى أو متفوقاً عليها.
 (Kendall & Hollon, (1979 Mahoney &  Arnhoff,( 1978); Rachman & Wilson, (1980); Miller  Berman, (1983); Barrios & Shigatomi, (1980); Dush, Hirt, & Schroeder, 1983)) .
                                                                   نقلاً عن (سلمان،2003: 41)
ومما ذكر سابقاً حول العلاج المعرفي ترى الباحثة أنه يبرز أهمية الجوانب المعرفية وأثرها في السلوك الخارجي وتلازمهما " المعرفة والسلوك " في علاج الفرد.وبما أن العلاج المعرفي السلوكي هو ما تتبناه الباحثة في دراستها الحالية، فقد أفردت له جزءاً مستقلاً للحديث عنه في المبحث الأول من الإطار النظري.

3)  المدخل الطبي:  أ - يعالج الطب الحديث القلق بوسائل عدة منها: العلاج الطبي بالوسائل المهدئة، والاسترخاء، والعلاج المهني، والتنويم المغناطيسي. (سليمان والهواري،2007: 186)
 ب- العلاج الكيميائي: يرى عكاشة أنه لا يفيد العلاج النفسي في الحالات الحادة مع الخوف والرعب بل يجب إعطاء المريض كميات كبيرة من المنومات والمهدئات في بادئ الأمر، ثم بعد أن يصل المريض للراحة الجسمية عند ذلك يمكن البدء في العلاج النفسي، أما في حالات القلق الشديدة فلا مانع من إعطاء بعض العقاقير التي تقلل من التوتر العصبي؛ مثل مجموعة البنزوديازبين ( الفاليوم - الليبريم - اتيفان - زاناكس - ترانكسين)، والتي تعمل على مستقبلات الجابا مما يعطي إحساساً بالهدوء والاسترخاء والراحة، ويفضل عدم الاستمرار على هذه العقاقير أكثر من ستة أسابيع كي لا يصبح المريض معتمداً عليها بشكل كبير. إلا في حالات خاصة، وكذلك يعطى في حالات القلق مضادات الاكتئاب خاصة مثبطات أكسدة أحادي الأمينات ( بارنيت - نارديل - دبرينيل ) أو مضادات الاكتئاب مثل ( توفرانيل - تريتيزول - بروثيادين انفرانيل ). وعند وجود أعراض زيادة نشاط في الجهاز العصبي اللاإرادي؛ مثل رجفة اليدين، العرق، زيادة ضربات القلب يستحسن إعطاء المريض العقاقير المهبطة لنشاط مستقبلات النورادرينالين؛ مثل الاندرال والذي ينظم ضربات القلب .
  ج- العلاج الكهربائي: كما يمكن استخدام الصدمات الكهربائية في علاج القلق إذا كان يصاحبه أعراض اكتئابية شديدة فقط، وهنا سيختفي الاكتئاب ولكن علاج القلق يحتاج لمعرفة الصراعات النفسية المختلفة مع العلاجات السابق ذكرها، كما أن المنبه الكهربائي قد يفيد بعض حالات القلق المصحوبة بأعراض جسمية . (عكاشة ، 1998م: 123)
      د- العلاج الجراحي: هناك بعض الحالات النادرة من القلق المصحوبة بالتوتر الشديد والتي لا تتحسن بالعلاج النفسي أو الكيميائي، والتي تشل المريض اجتماعياً، هنا يقوم الجراح بعملية جراحية في المخ لتقطيع الألياف العصبية الخاصة بالانفعال الموجودة في المخ والموصلة بين الفص الجبهي من المخ والثلاموس.وبقطعها توقف الدائرة الكهربائية الخاصة بالانفعال، بعدها يصبح الشخص غير قابل للانفعالات الشديدة المؤلمة، وتقل شدة التوتر ويستطيع المريض العودة لحياته الاجتماعية. وقد تجرى هذه العملية بكي هذه المراكز كيميائياً أو كهربائياً.(سلمان،2003: 40)

مما سبق ترى الباحثة أنه لو استبعدنا المدخل الطبي في علاج القلق والذي لا يستخدم إلا مع حالات القلق الحادة، فإنه من المنطقي أن يكون العلاج النفسي الفعّال هو ذلك الذي يستطيع أن يخاطب جوانب الإنسان المختلفة بالتعديل والتغيير، فهذا العلاج هو المقدم، وهو المنهج الذي يمكن وصفه بأنه علاج متعدد الأبعاد والمحاور، لأن بنيته الأساسية هي علاج القلق في جوانبه السلوكية  والمعرفية والانفعالية. وهذا ما ستطرحه الباحثة في البرنامج المعرفي السلوكي المقترح .

الدكتورة / ابتسام عبد الله الزعبي
كلية التربية - قسم علم النفس 
 جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن- الرياض

0 التعليقات:

إرسال تعليق